شروط الحجاب الشرعي الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فيا أيها الأحبة: أما عن شروط الحجاب الشرعي؛ حتى تعلم المرأة أنه ليس كل ثوبٍ تستطيع أن تخرج به خارج البيت، فللحجاب الشرعي شروط فلتتعلمها كل امرأة: ......
الشرط الأول: أن يكون ساتراً لجميع البدن فلا يجوز بحالٍ أن تغطي المرأة رأسها وبدنها ثم يكون الثوب قصيراً لتظهر قدميها، أو ساقيها، ومنهن من تتفنن في ذلك لستر هذا الجزء الباقي من أسفل؛ فتلبس حذاءاً برقبة طويلة لتستر هذا الجزء، ثم تدعي وتزعم أنها محجبة.
الشرط الثاني: ألا يكون زينةً في ذاته ألا تلفت المرأة الأنظار إلى ثوبها بألوانه الفاقعة التي تلفت الأنظار، وتجذب الأنظار، فلا ينبغي أن يكون الثوب في حد ذاته زينة، لا ينبغي أن يكون معطراً حتى يلفت إليه الأنظار كما سنرى؛ لأن هذا شرطٌ مستقلٌ من شروط الحجاب الشرعي.
الشرط الثالث: ألا يكون شفافاً بل يجب أن يكون الثوب صفيقاً -أي: سميكاً- حتى لا يشد بدن المرأة أو ما تحته، ومن النساء من تلبس ثوباً صفيقاً -أي سميكاً- وتأتي على مكانٍ بمحاذاة الصدر، أو على الذراعين، وتلبس ثوباً شفافاً يظهر ما تحته، وهذه هي قمة الفتنة. والرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة : (صنفان من أهل النار لم أرهما -وذكر منهما عليه الصلاة والسلام- ونساءٌ كاسياتٌ عاريات) وهذا وجهٌ من أوجه التفسير لهذا الحديث؛ أن تلبس المرأة ثوباً شفافاً يُظهر ما تحته.
الشرط الرابع: ألا يكون ضيقاً لأن الثوب الضيق يكون من أعظم الفتن، ومن أعظم سهام الشهوات؛ لأن الثوب الضيق وإن كان صفيقاً وسميكاً لا يشد فإنه يبين حجم عظام المرأة، وهذه من قمم الفتن التي ترسل بها النساء -اللائي يلبسن مثل هذه الثياب الضيقة- إلى قلوب الشباب والرجال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الشرط الخامس: ألا يكون معطراً أيضاً من الشروط -وهذا بإيجازٍ أيها الأحباب- ألا يكون الثوب مبخراً أو معطراً أو مطيباً، وهذا بالطبيعة هو الثوب الذي تخرج به المرأة إلى الشارع، أما الإسلام فيأمرها بأن تتعطر وتتطيب وتتزين لزوجها في داخل بيتها، وإن همت بالخروج فلا يجب أن يكون الثوب معطراً؛ لأن العطر من ألطف وسائل المخابرة بين الرجل والمرأة كما أوضحت قبل ذلك آنفاً، وفي الحديث الذي رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً) فما ظنكم إذا خرجت إلى الأسواق والشوارع والطرقات!! والحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح من حديث أبي موسى الأشعري ، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة استعطرت فخرجت فمرت على قومٍ ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا -أي: زانية- وكل عينٍ زانية -أي: وكل عينٍ تنظر إليها بشهوة فهي زانية-) وأسلفنا أن العينين تزنيان وزناهما النظر.
الشرط السادس: ألا يكون ثوب شهرة أيضاً من شروط الحجاب الشرعي: ألا يكون ثوب المرأة لباس شهرة، كأن تلبس المرأة ثياباً غاليةً في الثمن، ليشار إلى ثوبها بالبنان، ويقال: إن فلانة بنت فلان تلبس من الثياب ما قيمته كذا وكذا، هذا ثوب شهرة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الذي حسنه شيخنا الألباني ، وحسنه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب ، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب عليه ناراً) ولا يشترط بالضرورة أن يكون ثوب الشهرة غالياً، وإنما من الممكن أن يكون ثوب الشهرة رخيصاً جداً، يلبسه الرجل ليظهر التواضع، وليظهر المسكنة، وليظهر الذلة، وهذا من ثوب الشهرة أيضاً.
الشرط السابع: ألا يشبه ثياب الرجال كذلك من شروط الحجاب الشرعي: ألا يشبه ثياب الرجل، وألا تتشبه المرأة في لباسها أو صوتها، أو حتى في مشيتها بالرجال، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول والحديث رواه البخاري : (لعن الرسول صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء) هذا ملعونٌ على لسان رسول الله، وهذه ملعونةٌ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث ابن عباس : (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المرأة تلبس لبسة الرجل، والرجل يلبس لبسة المرأة) (ولعن النبي صلى الله عليه وسلم: المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء) أي: المرأة التي تريد أن تظهر كالرجل، بل وهي تسعد إن أشير إليها بذلك، هذه ملعونة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. أما الرجل الذي يتشبه بالمرأة فرجلٌ مخنث، يتكسر في مشيته، ويتغنج في لفظه، ويلبس من الثياب ما لا يليق أن يلبسه، ولا تلبسه إلا المرأة، هذا ملعونٌ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرط الثامن: ألا يشبه ثياب الكافرات الشرط الأخير أيها الأحباب: ألا يشبه ثوب المرأة لباس الكافرات، وهذه من النكسات النفسية التي أصبنا بها، حتى أصبحت المسلمة تقلد الكافرة في كل شيء، حتى في قصة شعرها، وهذه من الهزيمة النفسية التي أصابت قلوب كثيرٍ من النساء. يجب على المسلمة ألا تقلد الكافرة في شيءٍ أبداً، وفي جزءٍ من الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ومن تشبه بقومٍ فهو منهم) ...إلخ، حسنه شيخنا الألباني ، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح ، وصححه الحافظ العراقي . هذه بعض الشروط بإيجازٍ أيها الأحباب.
شبهات والرد عليها يبقى بعض الشبهات والرد عليها في كلمتين اثنتين وهي: الحديث الذي يستدل به بعض العلماء الذين يقولون بجواز كشف الوجه، ونحن نحسن الظن بهم ولا نتهمهم والعياذ بالله، فنحن نحب شيوخنا وعلماءنا، ولكن الحق أحب إلينا منهم، يستدلون بحديث أسماء الذي
رواه أبو داود و البيهقي من حديث خالد بن دريك، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت أسماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رقاق -أو رقيقة- فأعرض عنها النبي عليه الصلاة والسلام، وقال يا أسماء : إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى وجهه وكفيه)
هذا الحديث كما هو معروف لكل طالب علم مبتدئ في علم الحديث لا يصلح بحالٍ للمتابعات والشواهد، ولا يحتج به أبداً؛ لأن به ثلاث علل من علل الحديث القادحة:
العلة الأولى: أنه حديثٌ مرسل من طريق خالد بن دريك عن عائشة؛ لأن خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها، وخالد من أتباع التابعين، ومعلومٌ لكل علماء الحديث أنه لا يحتج بالحديث المرسل، بل ومنهم من قال: لا يحتج إلا بحديث مرسل عن كبار التابعين فقط، كـسعيد بن المسيب وغيره، و خالد من أتباع التابعين.
العلة الثانية: فيه سعيد بن بشير الأزدي وهو ضعيفٌ كما ضعفه الحافظ الذهبي وضعفه الحافظ ابن حجر ، ومن رجال هذا الحديث أيضاً قتادة وهو مدلس،
فبالله عليكم! حديث انقطع فيه السند، مرسلٌ ضعيفٌ، وفيه ضعفٌ في رواته، وفيه تدليس، فعند كل طالب علم مبتدئ يعلم علم اليقين أن هذا الحديث لا يحتج به، ولا يصلح أبداً للمتابعات والشواهد.
كنتُ أود أن أفند معظم الشبه الباقية، ولكن ... إن في هذا كفاية، وإن هذا لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ورحم الله من قال نداءً إلى المسلمة الطاهرة:
فلا تبالي بما يلقون من شبهٍ وعندك العقل إن تدعيه يستجب
سليه: من أنا؟ ما أهلي؟ لمن نسبي؟ من غرب أم أنا للإسلام والعرب؟ِ
لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذبِ؟
فيا أيها الأحباب ويا أيتها الأخوات: أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم الصواب، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك ومولاه. ومعذرةً لكم؛ لأنَّا قد أطلنا عليكم اليوم كثيراً، أسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا الوقت في ميزان حسناتكم، وميزان أعمالكم في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم. وأسأل الله جل وعلا أن يطهرنا وإياكم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم بارك في حكام المسلمين، وفي نساء المسلمين، وفي شباب المسلمين، اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشدٍ، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه. هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد كما أمركم الله جل وعلا بذلك في قوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه. هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ أو سهوٍ أو زللٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه. ......